الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{رِزْقًا لِلْعِبادِ} فضلا من لدنا ورحمة بهم {وَأَحْيَيْنا بِهِ} أي الماء المبارك {بَلْدَةً مَيْتًا} جف نباتها واسودت أرضها {كَذلِكَ} أي كما نحيي الأرض الميتة بانزال الماء وإخراج النبات يكون {الْخُرُوجُ} من المقابر وإحياء الخلق راجع الآية 56 من الأعراف الآتية واعلم يا أكمل الرسل أن قومك ليسوا بأول من كذب الرسل بما جاءوهم من عندنا فقد {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} نوحا {وَأَصْحابُ الرَّسِّ} شعيبا بعد إرساله إلى أصحاب الأيكة كما سيأتي في الآية 85 من الأعراف الآتية، والرس البئر المطوية كانت لبقية من ثمود كذبوا نبيهم ورسوه في بئر لهم في اليمن قاتلهم اللّه، وقيل هم قوم باليمامة وأن صاحبهم الذي كذبوه قسطلة بن صفوان وقيل هم أصحاب الأخدود وصاحبهم الغلام الذي مر ذكره في الآية 4 من سورة البروج المارة {وَثَمُودُ} كذبت صالحا {وَعادٌ} كذبت هودا {وَفِرْعَوْنُ} كذب موسى وهارون {وَإِخْوانُ لُوطٍ} كذبوا لوطا وسماهم إخوانا لأن بينه وبينهم نسبا قريبا لأنهم طائفة من قوم إبراهيم عليه السلام ومعارفه وهو ابن أخت ابراهيم {وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ} الأشجار الملتفة كذبوا شعيبا أيضا {وَقَوْمُ تُبَّعٍ} أي كرب الحميري حيث آمن وكذبه قومه لذلك خصه اللّه بالذكر كما خص فرعون نفسه لأنه هو المكذب راجع الآية 37 من سورة الدخان في ج 2 فكان {كُلٌّ} من هؤلاء الأمم {كَذَّبَ الرُّسُلَ} المرسلين إليهم فلا تحزن يا حبيبي على قومك {فَحَقَّ} على المصرين منهم على الكفر إنقاذ {وَعِيدِ} فيهم ووعد الرسل بالنصر عليهم، فقل يا سيد الرسل لهؤلاء المنكرين اعادتهم بعد موتهم {أَفَعَيِينا} أعجزنا أم تعبنا {بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} لهم حتى نتعب باعادتهم ثانيا، كلا وعظمتنا إنما هو بين الكاف والنون، وقل لهم يا أكمل الرسل كيف تعترفون ببداية الخلق وتنكرون الإعادة وليس بشيء أهون علينا منها.وهذا جواب لقولهم {ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} {بَلْ هُمْ} هؤلاء الجاحدون {فِي لَبْسٍ} شك وخلط وشبه ألقاها الشيطان في قلوبهم وأوقع الحيرة منه فيها بتسويله لهم بأن إحياء الموتى محال وأنساهم التفكر بأن من قدر على الإنشاء لا تعبيه الإعادة بل هو على الإعادة أقدر {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} بعد الموت، وقيل إن هذه الآية عامة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهي أن اللّه تعالى يعدم كل موجود في كل لحظة ويحييه وهذا معنى التجدد، وأما في الآخرة فإنه يحيي من أماته إلى الحساب والجزاء ولا يعظم هذا على اللّه، كيف وهو يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} من الخطرات والهواجس الحادثة الآن والتي ستحدث بعد في قلبه، لا يخفى علينا شيء من ضمائره، وكيف تخفى علينا {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} العرق الذي يجري فيه الدم المتصل بكل جزء من أجزاء الإنسان، وهو بين الحلقوم والمري، ولذلك سمي وربدا، واذكر لهم يا محمد {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ} الملكان الموكلان بكل نفس يكتبان ما تعمل من الخير والشر ويحفظانه إلى يوم الحساب أحدهما {عَنِ الْيَمِينِ} يكتب الحسنات {وَعَنِ الشِّمالِ} الآخر يكتب السيئات {قَعِيدٌ} كل منهما بمحله لا يفارقه طرفة عين، وقد اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر كقوله:
أي وكان والدي بريئا.وقوله: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف أي نحن راضون، وهنا يكون عن اليمين قعيد أيضا إذ الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه وبالعكس من أبواب البلاغه وسمي احتباكا وهو فضلا عن أنه لا يخل بالمعنى فلا يخفى على بصير، ولفظ قعيد يدل على الملازمة فهو أبلغ من قاعد ولهذا قال تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قول} يقوله الإنسان {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} يراقبه لا يبرح عنه {عَتِيدٌ} تهيأ لتدوين ما يخرج من فيه، وهذان الملكان لا يفارقان الإنسان إلا عند الغائط والجماع، ولذلك يكره الكلام في هاتين الحالتين لئلا يؤذيهما في كتابة ما يقع منه فيهما لأنهما لا يهملان شيئا حتى أنينه في المرض ليثيبه اللّه عليه.روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي أمامه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم:«كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين حالا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبّح أو يستغفر»، وهذان غير المعقّبات الآتي ذكرهم في قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّباتٌ} الْآيَة 11 من سورة الرعد في ج 3 لأن اللّه وكل في بني آدم ملائكة كثيرين من حين يكون في بطن أمه إلى أن يدفن في قبره، ومن لطفه على عباده أنه يكتب للمريض والمسافر مثل ما كانا يعملان في الصحة والإقامة من الحسنات فقط أما السيئات فلا، لأن العقاب فيها متوقف على الفعل فلو نوى ولم يعمل لا يكتب عليه شيء بل تكتب له حسنة كما سيأتي في تفسير الآية 84 من سورة القصص الآتية.أخرج بن أبي شيبة والدارقطني في الافراد والطبراني والبيهقي في الشعب عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلا أمر اللّه تعالى الحفظة فقال اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح مادام مشدودا في وثاقي».واخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: قال صلّى اللّه عليه وسلم: «من مرض أو سافر كتب اللّه تعالى له ما كان يعمل صحيحا مقيما» قال تعالى: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} أي شدته المذهبة لعقلة وغمرته التي تغشى المحتضر حالة نزعه إذ تحول بينة وبين عقله فتصيّره كالسكران {بِالْحَقِّ} عند بلوغ الأجل اليوم الذي يتبين به الإنسان من أمري الدنيا والآخرة ويعلم فيه ما يوصل إليه حاله من السعادة والشقاوة ويراه عيانا.واعلم أن الإنسان خلق لشيئين: لعبادة ربه مادام حيا قال تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الْآيَة 56 من الذاريات في ج 2، وللموت عند انقضاء أجله قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} الْآيَة 185 من آل عمران ج 3، وهي مكررة في الأنبياء والعنكبوت 35 و57 الآتيتين ج 2 وهو لا ينجو منه أحد، قال: مناديه ينادي كل يوم: لدوا للموت وابنوا للخراب ويقال له {ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} تميل تعدل عن الموت الذي تنفر عنه ولا تريده بحالة من الأحوال، فها هو قد جاءك.أخرج البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة وصححه الحاكم قالت: «لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت».وجاء في بعض الآثار ما أخرجه ابن سعد عن عروة قال: لما مات الوليد بكت أم سلمة فقالت: فقال صلّى اللّه عليه وسلم لا تقولي هكذا يا أم سلمة ولكن قولي {وجاءت سكرة الموت بالحق} وأخرج أحمد وابن جرير عن عبد اللّه مولى الزبير بن العوام قال: لما حضر أبو بكر الوفاة تمثلت عائشة بهذا البيت: فقال أبو بكر، ليس كذلك يا بنية ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق} وفي رواية لابن المنذر وأبي عبيد أنها قالت: فقال رضي اللّه عنه: بل قولي {وجاءت سكرة الموت} إلخ.ولما بين جل شأنه بعضا من حالة الإنسان في حياته ومماته طفق يبين شيئا من أحوال القيامة التي لابد له منها فقال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} النفخة الثانية للبعث بدليل قوله: {ذلِكَ} أي وقت هذه النفخة هو {يَوْمُ الْوَعِيدِ} للحساب والجزاء الذي وعدكم اللّه به في الدنيا على لسان رسله وحذركم من هوله لأن النفخة الأولى تكون لإماتة من بقي في الدنيا وبينهما كما قيل أربعون سنة، وفي النفخة الثانية يقوم الخلق من كفاتهم.قال تعالى: {وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} برة كانت أو فاجرة {مَعَها سائِقٌ} ملك يسوقها إلى الحشر الذي يقف الناس فيه للحساب {وَشَهِيدٌ} ملك آخر يشهد عليها بما عملت في الدنيا ويقال له {لَقَدْ كُنْتَ} أيها الإنسان في دنياك وبرزخك مدة طويلة {فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا} اليوم العظيم وقد كنت تنكره وتجحده وتكذب رسلنا الذين أنذروكه {فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ} الذي كان على بصرك والرين الذي كان على بصيرتك، وأزحناه عنك الآن لتنظره عيانا، وأمطنا ما كان على سمعك من الثقل لتسمعه جهرا حقيقة وأجلينا الصدأ الذي على قلبك لتعيه يقينا.{فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} قوي جدا يرى ما كان محجوبا عنه في الدنيا بسبب غفلتك عن النظر إلى قدرتنا والسماع لأوامرنا والتفكر في مصيرك ومصنوعاتنا {وَقال قَرِينُهُ} الملك الموكل به الشهيد عليه الكاتب لأعماله {هذا ما} أي الديوان الذي {لَدَيَّ} عن سجل أعمالك {عَتِيدٌ} مهيأ ظاهر حاضر فينظر فيه فإذا هو والعياذ باللّه جامع لكل شيء، وهو الكتاب المنوه به في الآية 14 من الإسراء الآتية، فيقول اللّه حينذاك، وهو أعلم بما فيه قبل إظهاره لأنه مدون في لوحه للسائل وللمشاهد اللذين جاءا به {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} في الدنيا {مُعْتَدٍ} على نفسه وعلى غيره، يمنع خيره، ويوقع شره وضره {مُرِيبٍ} شاك في التوحيد وفي هذا اليوم وهو {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ} من أصنام وغيرها {فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ} الكائن في الطبقة السفلى من طبقات النار أعاذنا اللّه منها {قال قَرِينُهُ} شيطانه الذي قيض له السوء المنوه به في الآية 30 من سورة الزخرف في ج 2 والوارد ذكره في قوله صلّى اللّه عليه وسلم ما من أحد الا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال ولا أنا، إلا أن اللّه أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني الا بخير هذا وإن بعض المفسرين فسر القرين الأول بالشيطان، وبما أن الجمهور على خلافهم فسرناه بالملك لأن سياق الآية بدل عليه، ويأبى الآخر، فانظر ماذا ترى.ولفظ القرين من النوع المبهم أحد أقسام البديع في الكلام، ولهذا فإنه يفسر بنسبة المقام كما جرينا عليه {رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ} أي ما أجبرته على الطغيان ولا أوقعته فيه، وهذا بعد أن سئل وقال أطغاني الشيطان، فيدافع الشيطان عن نفسه معتذرا ثم يقول: {وَلكِنْ كانَ} هو يا رب غارقا {فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} عن الحق وسبله، إذ اختار بطوعه ورضاه الضلال على الهدى وأكب على الردى، فيقول الكافر يا رب كذب هو الذي سوّل لي الشر وحسّن لي القبيح فأراد الشيطان أن يكذبه ثانيا فقطع اللّه.عليه كلامه {قال لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} الآن اسكتوا لأني أرسلت إليكم رسلا {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} على ألسنتهم وبالكتب التي أنزلتها عليهم، وقد أنذروكم وحذّروكم هول هذا اليوم وبينوا لكم منافع الإيمان ومضار الكفر فلم تفعلوا فلا فائدة من خصامكم الآن وقد قضي الأمر عليكم بالعذاب {ما يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ} فلا تطمعوا أن أغيره لأنه حق عليكم {وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} لأني لا أعذب أحدا بغير ذنب، وأنا العلام بما وقع منكم قبلا راجع تفسير الآية 22 من سورة ابراهيم في ج 2 والآية 30 من سورة المرسلات المارة تقف على مواقف القيامة، واذكر يا محمد لقومك {يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} إيفاء بوعده لها في سابق علمه وانجازا لقوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} الآية 119 من سورة هود في ج 2 قال ابن عباس فلما سيق أعداء اللّه إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملأها شيء فتقول مخاطبة ربها عز علاه، ألست قد أقسمت لتملأني؟ قال فيضع قدمه عليها فيقول هل امتلأت، فتقول قط قط أي حسبي حسبي قد اكتفيت.وفيها ثلاث لغات بإسكان الطاء وكسرها وتنوينها، أي قد امتلأت وليس في مزيد وكانت تقول قبل هذا زدني فيزيدها {وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ولا يقال أن النار معنى وان كانت جسما فلا يأتي منها النطق، ولانها ليست صالحة للخطاب لأن اللّه الذي أنطق كل شيء في الدنيا وأنطق جوارح الإنسان بما صنعت، والحيوان بما اعتدى، والجماد بما وقع منه وعليه، قادر على إنطاق النار وجعلها صالحة للخطاب بإبداع سر من أسراره فيها، وقد خاطبها اللّه في غير هذا الموضع في الآية 79 من سورة الأنبياء وخاطب الجبال في الآية 10 من سورة سبأ وخاطب النحل في الآية 69 من سورة النحل وخاطب السماء والأرض في الآية 11 من سورة السجدة في ج 2 وأمثاله كثير في القرآن العظيم كما نبين كلا في محله ان شاء اللّه. .مطلب في آيات الصفات وما يجب فيها: ولنورد ما يتعلق في هذه الآيات من الأحاديث: روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع ربّ العرش، وفي رواية رب العزة، فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك ولا يزال في الجنة فضل، حتى ينشيء اللّه لها خلقا فيسكنهم فيها، فتقول الجنة قط قط».ولأبي هريرة بزيادة: «ولا يظلم اللّه من خلقه أحدا».وهذا من أحاديث الصفات التي سبق البحث عنها في الآية 21 من سورة الفجر المارة، وذكرنا أن جمهور المتكلمين وطائفة من العلماء يصرفونها عن ظاهرها بالتأويل، فيضعون بدل القدم المقدم أي حتى يضع اللّه من قدم من أهل النار لقيام الدليل على استحالة الجارحية على اللّه تعالى، وجمهور من السلف وطائفة من المتكلمين بحروفها على ظاهرها ويؤمنون بها من غير تأويل وهو الأقرب وعليه فيكون معنى الرجل الجماعة كما تقول رجل من جراد أي جماعة منه أي يضع فيها جماعة أو قوما مسميين بلفظ الرجل القدم والإضافة هنا اختصاصية راجع تفسير هذا الحديث في شرحي البخاري ومسلم.وقال البغوي القدم والرجل في هذا الحديث من صفات اللّه المنزه عن الكيفية والتشبيه، والإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ والمنكر معطل، والمكيف مشبّه، وهو ليس كمثله شيء هذا واللّه أعلم.قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} قربت وهيئت للمتقين المساعدين عما نهوا عنه الفاعلين ما أمروا به {غَيْرَ بَعِيدٍ} مكان قريب منهم كي يروها وتقر أعينهم بها ويقال لهم {هذا ما تُوعَدُونَ} في الدنيا على لسان رسلكم وهي لكم و{لِكُلِّ أَوَّابٍ} رجاع توأب من الذنوب.{حَفِيظٍ} على حدود اللّه مبالغ في طاعته وهو {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ} خافه وأطاعه وصدق رسله {بِالْغَيْبِ} وآمن به من غير أن يراه {وَجاءَ} يوم القيامة إلى ربه {بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} اليه خاضع له خاشع لهيبته مخلص لعبادته مقبل اليه بكليته فهذا وأمثاله يقال لهم {ادْخُلُوها} أي الجنة التي قرّبت إليكم {بِسَلامٍ} وأمن من زوالها وسلام من اللّه وملائكته عليكم {ذلِكَ} يوم يدخل أهل الجنة الجنّة، وأهل النار النّار، هو {يَوْمُ الْخُلُودِ} لا موت ولا خروج بعده أبدا {لَهُمْ} لأهل الجنة {ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} لهم مما لم يخطر على بالهم وهو رؤية اللّه عز وجل إذ لا مزيد عليه لأهل الجنة بعدها، ولهذا فان جمهور المفسرين فسروا المزيد بالجنة كما فسروا الزيادة الواردة بالآية 26 من سورة يونس في ج 2 بها وبين مزيد وزيادة مناسبة باللفظ وبالآيتين بالمعنى، والقرآن يفسر بعضه، وبعد أن بين تعالى حال أهل النار وحال أهل الجنة للذكرى والاعتبار قال مهددا أهل مكة بما فعله من قبلهم بقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ} يا محمد من الأمم الماضية الذين لم تنفعهم الذكرى ولم يعتبروا بما وقع عليهم {مِنْ قَرْنٍ} أي قرون كثيرة ممن لم يتعظ بنذرنا {هُمْ} أي المهلكون {أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا} من قومك الذين يزعمون أنهم أشداء كثيرون، وأكثر عددا وعددا، وأعظم سطوة وجولة {فَنَقَّبُوا} طافوا وتقلبوا {فِي الْبِلادِ} شرقا وغربا جنوبا وشمالا ليروا ما يعصمهم من عذاب في الدنيا فلم يجدوا ما يقيهم منه فلينظر قومك {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} مخلص أو مهرب لهم أو مأمن أو ملجأ من عذابي فلم يجدوا وهل وجد أحد من العصور الخالية وزرا مني؟ كلا بل لابد من الموت والرجوع إلي، قال الحارث بن كلدة:
|